هجرة الحضارم إلى عدن Hadhrami migration to Aden

https://www.academia.edu/5632021/_1
د. سليمان فرج بن عزون هجرة الحضارم إلى عدن (دراسة ميدانية لصلتهم بموطنهم الأصلي
وعلاقاتهم الاجتماعية)
( دراسة ميدانية لصلتهم بموطنهم الأصلي وعلاقاتهم الاجتماعية)
أستاذ مشارك د. سليمان فرج بن عزون – قسم الاجتماع – كلية الآداب – جامعة عدن
أولا- الاطار النظري:
-1 تحديد المصطلحات:
1-1 ) الهجرة:
إن هجرة الناس كأفراد أو جماعات، بصورة دائمة أو مؤقته، من مكان إلى آخر ظاهرة
حدثت وما زالت تحدث في كل زمان ومكان. وهذه الظاهرة أخذت أنماطاً متعددة وتغيرت عبر
الزمان والمكان في حجمها واتجاهاتها ودوافعها وأسبابها وانعكاساتها على نمط حياة المهاجرين
وأسرهم وعلى طبيعة العلاقات والتفاعلات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات في موطنهم الأصلي
أو في المجتمع الذي هاجروا إليه للإقامة والاستقرار فيه بصورة دائمة أو مؤقته. ويمكن تعريف
الهجرة السكانية بأنها انتقال أو ترحال الناس من بلدهم أو وطنهم إلى بلد آخر أو من منطقة إلى
أخرى داخل بلدهم، أو أنها التغيير الدائم لمكان الإقامة من بيئة إلى بيئة أخرى بقصد الاستقرار في
البيئة الجديدة< 1>. ويتضح من هذه التعريفات أن هناك أنماطاً مختلفة للهجرات السكانية ومنها
الهجرة الخارجية من بلد إلى آخر، أو الهجرة الداخلية من منطقة إلى أخرى داخل الحدود السياسية
للبلد. كما تصنف الهجرات السكانية إلى هجرة قديمة وهجرة حديثة. وتشير أدبيات الهجرة إلى أن
الهجرات السكانية القديمة كانت هجرات جماعية ودائمة وفقدت نهائيا الصلة بالموطن الأصلي بينما
.< الهجرات الحديثة تتسم بأنها فردية ومؤقته ولا تنقطع نهائيا صلة المهاجر بموطنه الأصلي< 2
وهذا يعني أن الهجرة الخارجية الحديثة ليست ذات اتجاه واحد وإنما يترتب عليها حدوث هجرة
عائدة فردية أو جماعية إلى الموطن الأصلي مع اتجاه نسبة كبيرة من المهاجرين العائدين بصورة
نهائية إلى الإقامة والاستقرار في المدن الرئيسة. وبالنسبة للهجرة الداخلية، فإن الهجرة من الريف
إلى المدن الرئيسة تمثل النمط السائد منها لاسيما في البلدان النامية.
على الرغم من أنه قد يبدو لنا في الوهلة الأولى أن تصنيف الهجرات السكانية لا ينطوي
على أية صعوبة واضحة ففي الواقع يصعب في كثير من الحالات وضع حدود فاصلة بين الأنماط
المختلفه للهجرات السكانية. وهذا يعود لعوامل كثيرة منها صعوبة التنبؤ بالحراك السكاني للأفراد
والجماعات من مكان إلى آخر حيث أنه قد يحدث مثلا أن يعود المهاجر إلى موطنه الأصلي بعد أن
كان قد قرر عدم العودة أو العكس. ومما يجعل هذا الأمر أكثر تعقيدا طبيعة العوامل الاجتماعية التي
تربط الناس بالمكان، وهي كثيرا ما تكون أقوى مما يمكن أن تنبىء به العوامل الاقتصادية، وهذا
يجعل من الصعب فهم المحددات الاجتماعية والاقتصادية للمكان الذي سوف يستقر فيه
المهاجر< 3>. كما أن صعوبة الفصل بين الأنماط المختلفة للهجرة تظهر بوضوح في المراكز
الحضرية التي تمتزج وتتداخل فيها مختلف أنماط الهجرات الوافدة والعائدة والداخلية التي تشكل
معا، وبدرجات متفاوته، عنصرا أساسيا ليس فقط في النمو الحضري بل أيضا في مدى سرعة
عملية التحضر الذي تشهده المدينة المعاصرة. وهذا يشير إلى حقيقة أن الهجرة لا تعني مجرد
انتقال الناس من مكان إلى آخر بل تنطوي على أبعاد أخرى أكثر أهمية وتتمثل أساساً في التغيرات
الاجتماعية التي تحدث في البناء الاجتماعي للمدينة وفي طبيعة العلاقات الاجتماعية وأنماط التفاعل
1 > احسلن محمد الحسن، موسوعة علم الاجتماع، الدار العربية للموسوعات، ط 1، بيروت – لبنان، 1999 م، ص
.65
2 > عبد القادر القصير، الهجرة من الريف إلى المدن: دراسة ميدانية اجتماعية عن الهجرة من الريف إلى المدن في
المغرب، دار التهضة العربية، بيروت، 1992 م، ص 101 . أنظر أيضا: أحمد القصير، شرخ في بنية الوهم: الهجرة
.20- والتحول في اليمن، دار ثابت،القاهرة، 1990 ، ص 19
3 > ميشيل مان، موسوعة العلوم الاجتماعية، نقلها إلى العربية عادل مختار الهواري وسعد عبد العزيز مصلوح،
. مكتبة الفلاح، ط 1، الكويت، 1994 م، ص 450
2
بين جماعات تحمل ثقافات وقيم وعادات وتقاليد مختلفة وبين مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية
التي تعيش في المدينة.
2-1 ) العلاقات الاجتماعية:
يهتم علماء الاجتماع بدراسة المجتمع من خلال دراستهم للعلاقات الاجتماعية وأنماط
التفاعل الاجتماعي، وحاولوا تفسير الكيفية التي تتباين بها البناءات والعلاقات الاجتماعية، تبعا
للانتشار المكاني للبشر، واهتموا كذلك بالتعرف على الطريقة التي تؤثر بها العوامل الاجتماعية
لاسيما القيم الاجتماعية، على البيئة التي يعيشون فيها< 1>. ويعود الفضل الأول في هذا المجال إلى
المفكر وعالم الاجتماع العربي ابن خلدون الذي تناول موضوع العلاقات الاجتماعية وقال إن
الاجتماع الانساني ضروري لأن الإنسان مدني بطبعه، وأن عدم كفاية الفرد لنفسه يدفعه إلى
التعاون والاشتراك في حياة الجماعة ومن ثم ينشأ التضامن الذي يعد من أقوى الدعائم التي يقوم
عليها المجتمع، وما فطر عليه الإنسان من شعور نحو الجماعة يدفعه إلى الاستكمال بغيره
ليستوفي بذلك خواصه النوعية والجنسية فضلا عن حاجاته الضرورية< 2>. ثم جاء من بعده
علماء الاجتماع المعاصرون مثل أميل دوركايم وماكس فيبر وجورج زيمل وتالكوت بارسونز
وغيرهم، وحددوا معنى العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات في المجتع
الذي يعيشون فيه. وهناك أكثر من تعريف للعلاقات الاجتماعية ومنها أنها عبارة عن أي اتصال أو
تفاعل يقع بين شخصين أو أكثر من أجل إشباع حاجات الأفراد الذين يكونون مثل هذا الاتصال أو
التفاعل< 3>. كما تعرف العلاقات الاجتماعية بأنها روابط متبادلة بين أفراد وجماعات المجتمع تنشأ
نتيجة لاتصال بعضهم ببعض وتفاعل بعضهم مع بعض مثل روابط القرابة والروابط التي تقوم بين
.< أعضاء الجمعيات التعاونية وأعضاء المؤسسات الاجتماعية وأبناء طبقات المجتمع< 4
وبالنسبة لاتجاهات علماء الاجتماع لوصف وتفسير نمط الحياة وطبيعة العلاقات الاجتماعية
بين الأفراد والجماعات التي تعيش في المدن وخاصة بعد تزايد موجات الهجرة إلى المدن، تبين لنا
النصوص السوسيولوجية عدم وجود اتفاق بين علماء الاجتماع، حيث يرى ابن خلدون أن مجتمع
الحضر يتميز بتقسيم العمل، والعلاقات الاجتماعية التي تربط بين أبنائه ضعيفة ومفككة، ويتميز هذا
النمط من المجتمعات بتنوع العناصر السكانية وكثرة الأجانب< 5>. وفي العصر الحديث، يعتبر
لويس ويرث أول من تناول موضوع الخصائص التي تنفرد بها المدينة. وقد حدد عشرة خصائص
متشابكة ومترابطة لنمط الحياة والعلاقات الاجتماعية في المدينة، منها: تتميز الروابط بين سكان
المدينة بالسطحية نظرا لنمو السكان وتباينهم. وينتج عن ذلك ازدياد أهمية وسائل الضبط
الاجتماعي الرسمي وضعف العلاقات الاجتماعية وازدياد أهمية وسائل الاتصال الجماهيري. ويرتبط
نمو المدينة بنمو السكان، وزيادة التخصص وتقسيم العمل، وتعقيد مستوى البناء والوظائف
الاجتماعية الأمر الذي يؤدي إلى ظهور مشكلات عديدة، بسبب ضعف القيم والمعايير الاجتماعية
القروية، ومن هذه المشكلات الجريمة بأنواعها، والاغتراب، والتفكك< 6>. كما تناول بيتر مان
طبيعة العلاقات الاجتماعية للوافدين وخاصة من الريف إلى المدن وقال إن الهجرة إلى المدن يع  د
عملية تحضر يقوم الفرد بالانتقال إلى المدينة والتكيف والتطبع بأخلاق وعادات وسلوك أبناء المدن
وتقبل أسلوب الحياة وأنماط العلاقات الاجتماعية الموجودة فيها، والخضوع إلى قوانين وأنظمة
مؤسساتها وتشكيلاتها الاجتماعية الحضارية. وتقترن هذه العملية بتغيير حياة الناس ماديا ومعنويا
من جراء هجرتهم إلى المدن مع تكيفهم لحياة المدينة واكتسابهم لقيم وممارسات سكانها، أي أن
التحضر هو نمط من أنماط التغييرات الاجتماعية والثقافية التي تطرأ على الوافدين إلى المدينة
1 . > فهمي سليم الغزوي وآخرون، المدخل إلى علم الاجتماع، دار الشروق، عمان-الأردن، 1997 م، ص 337
2 .14- > احسان محمد الحسن، مصدر سابق، ص 13
3 .406- > المصدر نفسه، ص 405
4 > المصدر نفسه.
5 .13- > المصدر نفسه، ص 12
6 .334- > فهمي سليم الغزوي وآخرون، مرجع سابق، ص 333
فتعدل سلوكهم وقيم وأساليب حياتهم بما يتفق وظروف البيئة الحضرية< 1>. أما عالم الاجتماع
أندرسون فإنه يرى أنه غالبا ما يحدث أن ينتقل الأشخاص من الأرياف للإقامة في المدن دون أن
يتقبلوا الأنماط السلوكية الحضرية السائدة فيها، إذ يرافق انتقالهم هذا انتقال ما يحملونه من أفكار
ومعتقدات وعادات إلى المراكز الحضرية، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يتحضر الريفيون دون
تكيفهم مع النظم والقيم والممارسات السائدة في المدينة< 2>. وهناك اتجاه آخر يرى أن التحضر
بهذا المعنى لا يعني فقط الانتقال من المجتمع الريفي إلى المجتمع الحضري، وإنما يعني جملة
العمليات الاجتماعية التي يمر بها الأفراد حتى يصبحوا حضريين في تفكيرهم وسلوكهم. كما أن
التحضر وفق هذا المنظور لا يتوقف عند حد معين بل يستمر نتيجة للتغيرات الاجتماعية التي تحدث
.< في المدينة الصناعية نفسها< 3
وفي الوطن العربي، على الرغم من أن تاريخ نشأة المدن يعود إلى القرون التي سبقت
التاريخ الميلادي، فإن تطور ونمو معظم المدن العربية لم يبدأ إلا بعد انتشار آثار التطورات
التكنولوجية التي أعقبت الثورة الصناعية أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر
الميلادي، بالإضافة إلى ما فرضه الاستعمار الأوربي على البلدان العربية من أفكار ومؤسسات
وتنظيمات وقوانين استمرت حتى ما بعد مرحلة الاستقلال< 4>. وما أن بدأت الأقطار العربية تنال
استقلالها السياسي الواحد تلو الآخر حتى قوي تيار الهجرة وخاصة من الريف إلى المدن نتيجة
لتدني مستوى المعيشة في الريف. ومنذ الحرب العالمية الثانية حتى الوقت الراهن شهدت المدن
العربية الرئيسة نموا سكانيا متسارعا< 5>، وذلك بسبب استمرار تدفق تيارات الهجرة إليها من
الأرياف، فضلا عن الهجرات الوافدة والهجرات العائدة من الخارج.
ويأتي المهاجرون إلى المدينة من مناطق مختلفة ذات ثقافات خاصة بها، يحملها
المهاجرون معهم ويتبعونها في التعامل مع الناس، مثل الأخلاق والمثل العليا في الشهامة والرجولة
والنخوة والحفاظ على العهد. ويتكون مجتمع المدينة من الأقليات الدينية والعنصرية والسياسية
والطبقات الاجتماعية وكذلك من الجماعات التي تتكون على أساس القرابة والمنشأ، أوعلى أساس
المهنة والوظيفة، أو على أساس الجوار والمسكن< 6>. وقد شهدت مجتمعات المدن تغيرات
اجتماعية سريعة وفي مجالات مختلفة مما ساعد على اندماج الوافدين من الريف في التنظيم
الاجتماعي الرسمي، وإن كانوا ما مازالوا يحملون القيم والمعتقدات الريفية ويحافظون على
الصلات القرابية التي تربطهم مع الأهل والأقارب في الريف< 7>. واستمرار هذه العلاقات التي تربط
بين المهاجر وموطنه الأصلي تدعمه نتائج دراسات أخرى بينت أن الاقامة والاستقرار في المدينة
.< لا تعنيان دائما انقطاع صلة الوافد بموطنه الأصلي< 8
-2 الهجرة إلى عدن: نظرة عامة:
تع  د عدن من مدن الموانيء القديمة التي يعود تاريخها إلى قبل الميلاد، وكانت تمر منها
،< المراكب، ويسكنها قوم من الصيادين يصيدون في البحر، وكانت مساكنهم قريبة من الساحل< 9
وفيها سوق للتجارة البسيطة. واستمرت عدن على هذه الحال حتى قبيل الاسلام. ومنذ بدايات
القرن الأول وحتى الثاني عشر الهجري ( القرن السابع إلى الثامن عشر الميلادي ) أخذت عدن
1 .149- > احسان محمد الحسن، مصدر سابق، ص 148
2 > المصدر نفسه.
3 . > المصدر نفسه، ص 150
4 > عبد الاله عياش واسحق يعقوب قطب، الاتجاهات المعاصرة في الدراسات الحضرية، دار القلم، بيروت – لبنان،
. 1980 ، ص 139 ،122
5 . > عبد القادر القصير ، مرجع سابق، ص 133
6 . > عبد الاله عياش واسحق يعقوب قطب، مرجع سابق، ص 221
7 . > المرجع نفسه، ص 222
8 .227- > عبد القادر القصير، مرجع سابق، ص 226
9 > أبي محمد عبد الله الطيب ين عبدالله بن أحمد أبي مخرمة مع نخب من تواريخ ابن المجاور والجندي والأهدل
.9- “تاريخ ثغر عدن”، دار التنوير للطباعة والنشر، ج 1، ط 2، بيروت، 1986 ، ص 8
تتحول تدريجيا مع تطور نشاطها التجاري إلى مركز جذب للهجرات السكانية الداخلية من مختلف
المدن والقرى الأخرى من جهة، وللهجرات السكانية الوافدة من الخارج من مختلف الأجناس
والثقافات من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن هذه الهجرات السكانية كانت تحدث على فترات
زمنية متباعدة وبأعداد قليلة للغاية، فإن المهاجرين الوافدين من الخارج كانوا يشكلون غالبية
سكان مدينة عدن الذين لم يتجاوز تعدادهم الف نسمة تقريبا في القرن الثامن عشر الميلادي.
وتكشف بعض كتابات الرحالة العرب عن بعض الخصائص الحضرية لمدينة عدن والمتمثلة في
المزيج البشري المتعدد الأجناس والثقافات التي ميز مدينة عدن خلال الفترة المشار إليها سابقا
حيث نجد مثلا أن أبا عبدالله المقدسي الجغرافي والرحالة العربي المشهور الذي زار اليمن في
القرن الرابع للهجرة ( التاسع للميلاد ) وأقام فيها حولا كاملا، يقول في وصف سكان عدن: أن
أغلب سكان عدن في القرن الأول للهجرة، وقبل الاسلام، كانوا من غير العرب الذين انصهروا في
بوتقة اللغة العربية< 1>. وفي القرن السابع للهجرة ( الثالث عشر للميلاد ) كتب ابن المجاور عن
أجناس الناس الذين كانوا يعيشون في مدينة عدن وقال إن “غالب سكان البلد عرب مجمعة من
الاسكندرية ومصر والريف والعجم والفرس وحضارم ومقادشة وجبالية وأهل ذبحان وزيالع
.< وحبوش، وقد التأم إليها من كل بقعة ومن كل أرض وتمولوا فصاروا أصحاب خير ونعم"< 2
وخلال فترة الاحتلال البريطاني لمدينة عدن والمحميات الشرقية والغربية من اليمن
1967 ) لعبت الهجرة الخارجية الوافدة الدور الرئيسي في نمو سكان مدينة عدن - الجنوبي ( 1839
وسيطرت قوانين وثقافة المستعمر على نمط الحياة، وكان التمايز الاجتماعي والصراع السمة
الغالبة على طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الجاليات الأجنبية والمواطنين المحليين في مدينة عدن.
وفي هذا الاتجاه، تشير التقديرات المتاحة إلى أن سكان مدينة عدن زاد عددهم من حوالي 19 ألف
1881 ) وشكلت نسبة الأجانب من جنسيات - نسمة إلى حوالي 35 ألف نسمة خلال الفترة ( 1849
مختلفة من إجمالي السكان ( 74.5 %) و( 61.7 %) على التوالي< 3>. والأمر الأكثر أهمية أن هذه
النسبة العالية من الوافدين الأجانب ينتمون إلى أصول عرقية مختلفة وحافظت كل جماعة منها على
هويتها وثقافتها الخاصة بها وتشكلت على أساسها علاقات الجوار والمسكن داخل وحدات سكنية
خاصة بها تميزت بأسماء لها دلالتها بهوية كل جماعة مثل حافة (حي) الهنود أوالصومال أو
اليهود. هذا النمط من التوزيع المكاني للجماعات العرقية المختلفة عكس نفسه على طبيعة نمط
الحياة والعلاقات الاجتماعية السائدة بين الأفراد والجماعات داخل كل حافة من جهة وبين الجماعات
المختلفة بما في ذلك المواطنين المحليين الذين يعيشون بصورة دائمة أو مؤقتة في مدينة عدن.
وكانت اللغات والعملات غير العربية وسيلة الاتصال والتعامل في معظم مجالات الحياة الرسمية
وغير الرسمية بين الأفراد والجماعات المختلفة الذين يعيشون في مدينة عدن.
هذا الوضع لفت انتباه بعض الرحالة الأوربيين لاسيما الفرنسيين فأطلقوا على مدينة عدن
“عدن الهندية”، أو “عدن الأوربية”< 4>، وذلك دلالة على سيادة هذه الثقافات في فترات زمنية معينة
على نمط حياة سكان عدن. كما كشفت كتابات بعض الرحالة الفرنسيين عن وجود تصدع في
العلاقات الاجتماعية، وبينت أن الصراع الاجتماعي كان ظاهرة عامة بين أفراد مختلف الجاليات،
وبين بعض أفراد وجماعات الجاليات والعرب، وكانت علاقات السكان العرب بالمحتلين البريطانيين
1 > أنظر: مسعود عمشوش، في كتابات الرحالة الفرنسيين، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن-اليمن: 2003 م،
ص 12 . سالم محمد أحمد الجنيد، عدن: مشاكل النمو الحضري، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة
. عدن، 1997 ، ص 40
2 > أبي محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد أبي مخرمة مع نخب من تواريخ ابن المجاور والجندي والأهدل،
. مرجع سابق، ص 54
3 > محسوب من جدول منشور في: أحمد القصير، مرجع سابق، ص 146 ، ومأخوذ من:
Gavin, R. AdenUnder British Rule 1839-1967, Appendix B.
4 .17- > مسعود عمشوش، مرجع سابق، ص 13
تتحول تدريجيا مع تطور نشاطها التجاري إلى مركز جذب للهجرات السكانية الداخلية من مختلف
المدن والقرى الأخرى من جهة، وللهجرات السكانية الوافدة من الخارج من مختلف الأجناس
والثقافات من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن هذه الهجرات السكانية كانت تحدث على فترات
زمنية متباعدة وبأعداد قليلة للغاية، فإن المهاجرين الوافدين من الخارج كانوا يشكلون غالبية
سكان مدينة عدن الذين لم يتجاوز تعدادهم الف نسمة تقريبا في القرن الثامن عشر الميلادي.
وتكشف بعض كتابات الرحالة العرب عن بعض الخصائص الحضرية لمدينة عدن والمتمثلة في
المزيج البشري المتعدد الأجناس والثقافات التي ميز مدينة عدن خلال الفترة المشار إليها سابقا
حيث نجد مثلا أن أبا عبدالله المقدسي الجغرافي والرحالة العربي المشهور الذي زار اليمن في
القرن الرابع للهجرة ( التاسع للميلاد ) وأقام فيها حولا كاملا، يقول في وصف سكان عدن: أن
أغلب سكان عدن في القرن الأول للهجرة، وقبل الاسلام، كانوا من غير العرب الذين انصهروا في
بوتقة اللغة العربية< 1>. وفي القرن السابع للهجرة ( الثالث عشر للميلاد ) كتب ابن المجاور عن
أجناس الناس الذين كانوا يعيشون في مدينة عدن وقال إن “غالب سكان البلد عرب مجمعة من
الاسكندرية ومصر والريف والعجم والفرس وحضارم ومقادشة وجبالية وأهل ذبحان وزيالع
.< وحبوش، وقد التأم إليها من كل بقعة ومن كل أرض وتمولوا فصاروا أصحاب خير ونعم"< 2
وخلال فترة الاحتلال البريطاني لمدينة عدن والمحميات الشرقية والغربية من اليمن
1967 ) لعبت الهجرة الخارجية الوافدة الدور الرئيسي في نمو سكان مدينة عدن - الجنوبي ( 1839
وسيطرت قوانين وثقافة المستعمر على نمط الحياة، وكان التمايز الاجتماعي والصراع السمة
الغالبة على طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الجاليات الأجنبية والمواطنين المحليين في مدينة عدن.
وفي هذا الاتجاه، تشير التقديرات المتاحة إلى أن سكان مدينة عدن زاد عددهم من حوالي 19 ألف
1881 ) وشكلت نسبة الأجانب من جنسيات - نسمة إلى حوالي 35 ألف نسمة خلال الفترة ( 1849
مختلفة من إجمالي السكان ( 74.5 %) و( 61.7 %) على التوالي< 3>. والأمر الأكثر أهمية أن هذه
النسبة العالية من الوافدين الأجانب ينتمون إلى أصول عرقية مختلفة وحافظت كل جماعة منها على
هويتها وثقافتها الخاصة بها وتشكلت على أساسها علاقات الجوار والمسكن داخل وحدات سكنية
خاصة بها تميزت بأسماء لها دلالتها بهوية كل جماعة مثل حافة (حي) الهنود أوالصومال أو
اليهود. هذا النمط من التوزيع المكاني للجماعات العرقية المختلفة عكس نفسه على طبيعة نمط
الحياة والعلاقات الاجتماعية السائدة بين الأفراد والجماعات داخل كل حافة من جهة وبين الجماعات
المختلفة بما في ذلك المواطنين المحليين الذين يعيشون بصورة دائمة أو مؤقتة في مدينة عدن.
وكانت اللغات والعملات غير العربية وسيلة الاتصال والتعامل في معظم مجالات الحياة الرسمية
وغير الرسمية بين الأفراد والجماعات المختلفة الذين يعيشون في مدينة عدن.
هذا الوضع لفت انتباه بعض الرحالة الأوربيين لاسيما الفرنسيين فأطلقوا على مدينة عدن
“عدن الهندية”، أو “عدن الأوربية”< 4>، وذلك دلالة على سيادة هذه الثقافات في فترات زمنية معينة
على نمط حياة سكان عدن. كما كشفت كتابات بعض الرحالة الفرنسيين عن وجود تصدع في
العلاقات الاجتماعية، وبينت أن الصراع الاجتماعي كان ظاهرة عامة بين أفراد مختلف الجاليات،
وبين بعض أفراد وجماعات الجاليات والعرب، وكانت علاقات السكان العرب بالمحتلين البريطانيين
1 > أنظر: مسعود عمشوش، في كتابات الرحالة الفرنسيين، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن-اليمن: 2003 م،
ص 12 . سالم محمد أحمد الجنيد، عدن: مشاكل النمو الحضري، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة
. عدن، 1997 ، ص 40
2 > أبي محمد عبدالله الطيب بن عبدالله بن أحمد أبي مخرمة مع نخب من تواريخ ابن المجاور والجندي والأهدل،
. مرجع سابق، ص 54
3 > محسوب من جدول منشور في: أحمد القصير، مرجع سابق، ص 146 ، ومأخوذ من:
Gavin, R. AdenUnder British Rule 1839-1967, Appendix B.
4 .17- > مسعود عمشوش، مرجع سابق، ص 13
شديدة التوتر منذ اليوم الأول لاحتلال عدن، وأخذت تلك العلاقات المتوترة طابع المقاومة في معظم
.< كتابات الرحالة الفرنسيين< 1
ومنذ منتصف القرن العشرين الميلادي، بدأت الهجرة الداخلية تنشط أكثر من الفترات
السابقة، ومنذ سبعينيات القرن العشرين أصبحت تشكل النمط السائد والعنصر الرئيسي في نمو
سكان مدينة عدن. وهذا يظهر من نتائج تعداد 1946 م لسكان مدينة عدن حسب الجنسية حيث بلغ
إجمالي سكان مدينة عدن نحو 81 ألف نسمة، منهم حوالي ( 27.4 %) فقط من المهاجرين الوافدين
من الخارج، توزعوا على جنسيات مختلفة وهي حسب الأهمية النسبية: هنود، يهود، صومال،
أوربيون وجنسيات أخرى< 2>. كما تكشف نتائج تعداد 1955 لمدينة عدن حسب الجنسية أن
اجمالي السكان بلغ حوالي 138 ألف نسمة، شكلت الهجرة الخارجية الوافدة حوالي ( 25.0 %) فقط،
توزعت على جنسيات مختلفة وهي حسب أهميتها النسبية: هنود، صومال، أوربيون، يهود
وجنسيات أخرى< 3>. والملاحظ أن نسبة الأجانب هي أعلى مما تبدو عند الأخذ في الاعتبار أبناء
الأجانب الذين ولدوا في عدن حيث يتضح من توزيع المولودين في عدن حسب الجنسية من واقع
نتائج تعداد 1955 م أن إجمالي المولودين بلغ 52355 نسمة، منهم ( 66.2 %) عرب مستعمرة
(% عدن، ( 2.4 %) عرب المحميات الشرقية والغربية، ( 4.4 %) يمني، ( 19.5 %) هنود، ( 4.3
صومال، ( 1.5 %) يهود، ( 0.4 %) أوربيون، و( 1.4 %) جنسيات أخرى< 4>. وهذا يعني أن نسبة
عالية من مواليد فئة عرب مستعمرة عدن وقت التعداد ليسوا أصلا عرباً وإنما أكتسبوا هذه الصفة
بحكم الميلاد في فترات سابقة. وهذا الأمر في الواقع كانت تفرضه السلطة البريطانية من خلال
قانون حقوق المواطنة في مستعمرة عدن الذي صدر سنة 1949 م ومن ضمن نصوص هذا القانون
“يعتبر عدنيا من ولد أو أقام في عدن ما لا يقل عن عشر أو أثنى عشرة سنة أو كل مواطن من
دول الكومنولث عاش في عدن السنتين أو الثلاث السنوات الأخيرة بصرف النظر عن إن كان
يهوديا أو مسيحيا أو هندوسيا أو من أي الجاليات الأجنبية”< 5>. وبالمقارنة بين نتائج تعداد 1946
وتعداد 1955 حسب الجنسية وحسب محل الميلاد، نجد أن نسبة المواليد في البلدان الأخرى بلغت
%42.0 ) و( 49.0 %) على التوالي من إجمالي سكان مدينة عدن. ويبدو أن نسبة هامة من الفرق )
بين نسبة المواليد في بلدان أخرى ونسبة الوافدين الأجانب تمثل المهاجرين العائدين المولودين في
بلدان المهجر والمقيمين وقت التعداد في مدينة عدن.
هذا التحليل يدعم ما أكدناه سابقاً حين أشرنا إلى وجود تداخل بين أنماط الهجرة التي
يصعب الفصل بينها، وإلى أن مدينة عدن امتزجت فيها مختلف أنماط الهجرات السكانية الخارجية
الوافدة والداخلية والعائدة من الخارج. كما تبين لنا من العرض والتحليل السابق أن الهجرة
الداخلية بدأت منذ نشأت مدينة عدن غير أنها كانت محدودة العدد، وأن الهجرة الخارجية الوافدة
إلى مدينة عدن كانت النمط السائد قبل وخلال فترة الاستعمار البريطاني، ومنذ الاستقلال وحتى
الوقت الراهن أصبحت الهجرة الداخلية من مختلف مناطق اليمن وخاصة من الريف إلى مدينة عدن
تشكل النمط السائد.
وبالإضافة إلى ذلك، برزت الهجرة اليمنية العائدة التي ترتبط بالهجرة اليمنية الخارجية
الحديثة التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر الميلادي. وبدأت هذه الهجرة العائدة كظاهرة منذ
منتصف القرن العشرين، ولم تنشط إلا منذ الستينات منه. وبإستثناء الهجرات العائدة الطبيعية التي
حدثت وتحدث بسبب تحقيق الهدف من الهجرة، أو بسبب الحنين للوطن، فإن الهجرات العائدة
1 .26- > المرجع نفسه، ص 25
2 > أنظر: أحمد القصير، مرجع سابق، ص 146 . أمين علي محمد حسن، عدن: قراءة ديموجرافية تحليلية لتعداد
1955 م، مجلة العلوم الاجتماعية والانسانية، المجلد ( 3)، العدد ( 5)، يناير-يونيو 2000 م، دار جامعة عدن للطباعة
. والنشر 2000 م، ص 110
3 > المرجع نفسه: أحمد القصير. أمين علي محمد حسن.
4 . > أمين علي محمد حسن، المرج نفسه، ص 111
5 > أنظر: أحمد صادق الجيزاني، علاقة الحرية بالقانون وتجلياتها في مستعمرة عدن، مجلة العلوم الاجتماعية
. والانسانية، المجلد ( 3)، العدد ( 5)، يناير-يونيو 2000 م، درا جامعة عدن للطباعة والنشر 2000 م، ص 126
الجماعية كانت نتيجة لعوامل الطرد في بلدان المهجر كما حدث لموجات الهجرة العائدة وبأعداد
كبيرة نسبيا من بعض بلدان شرق افريقيا وجنوب شرق آسيا في الخمسينات والستينات من القرن
العشرين الميلادي، والعودة المفاجئة لأعداد كبيرة من العمالة اليمنية المهاجرة مع أسرهم من
بلدان دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت اثر حرب
الخليج الثانية في بداية التسعينات من القرن العشرين. وقد فضلت نسبة كبيرة من العائدين الإقامة
والاستقرار مع أسرهم في المدن الرئيسية ومنها مدينة عدن.
كما صاحبت الهجرة العائدة من الصومال هجرة وافدة من اللاجئين الصومال مع عائلاتهم
ومن بعض البلدان المجاورة للصومال وذلك بسبب الحرب الأهلية التي مستمرة حتى الآن، ونسبه
عالية منهم تستقر في المدن الساحلية وخاصة في مدينة عدن وضواحيها.
ويعكس الجدول ( 1) في ملحق الجداول والشكل ( 1) أدناه الاتجاه العام لتطور أنماط
الهجرات السكانية الخارجية الوافدة والداخلية والعائدة من الخارج إلى مدينة عدن خلال الفترة
2000 م، ويتضح من الشكل الاتجاه المتصاعد للهجرة الداخلية من الريف إلى مدينة عدن، -1946
وتراجع الهجرة الخارجية الوافدة، وبروز ظاهرة الهجرة العائدة من الخارج. وهذه النتيجة تتفق مع
نتائج الدراسات السابقة< 1>، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه المتصاعد للهجرة الداخلية إلى
مدينة عدن في المستقبل< 2>. وهذا الدور المتنامي للهجرة الداخلية في تزايد نمو سكان مدينة عدن
ليس خاصية تنفرد بها مدينة عدن فقط بل ظاهرة عامة تشترك فيها جميع المدن الرئيسية في
اليمن وفي بقية البلدان العربية والبلدان النامية الأخرى. وللهجرة الداخلية والهجرة العائدة من
الخارج دور ايجابي أكثر أهمية من زيادة نمو السكان ويتمثل في مساهمتها في إعادة الهوية
اليمنية والعربية والإسلامية لنمط الحياة السائدة في مدينة عدن.
1 سليمان فرج يسلم بن عزون: “التوزيع السكاني والتنمية في جمهورية اليمن الديموقراطية”، في كتاب حلقة بحثية
26 نوفمبر 1981 م. المعهد العربي للتخطيط بالكويت، – عن التوزيع السكاني والتنمية في الوطن العربي: الكويت 22
. ص 584
2 > سليمان فرج بن عزون، مشكلات النمو السكاني والتحضر في اليمن، مجلة دراسات اجتماعية، بيت الحكمة،
.53- العدد ( 13 )، السنة الرابعة، آذار 2002 م، قسم الدراسات الاجتماعية، بغداد،العراق، ص 52
7
شكل ( 1)ا تجاھت تطور أنماط الھجرة الداخلیة والخارجیة الوافدة والعائدة إلى مدینة عدن
2000-1946
0
50000
100000
150000
200000
250000
300000
350000
400000
1946 1955 1973 1988 1994 2000
ھجرة داخلیة
ھجرة وافدة
ھجرة عائدة
-3 هجرة الحضارم إلى مدينة عدن:
تمثل هجرة الحضارم إلى عدن جزءاً لا يمكن فصله عن ظاهرة الهجرة الحضرمية بأنماطها
المختلفة الخارجية والعائدة والداخلية، وبأبعادها المختلفة التاريخية والثقافية والاجتماعية. وإن
المتبتع لظاهرة هجرة الحضارم في الأدبيات المنشورة يجد أنها من الهجرات السكانية التي حدثت
عبر الزمان في مختلف أدوار التاريخ القديم والحديث، وعبر المكان حيث اتجهت إلى مختلف بلدان
العالم< 1> العربية وغير العربية، وإلى جميع محافظات اليمن للاقامة والاستقرار بصورة دائمة أو
مؤقته. كما تشترك هجرة الحضارم القديمة مع غيرها من الهجرات السكانية القديمة بأنها كانت
دائمة، وجماعية، واتجهت في معظمها إلى افريقيا وآسيا، وحدثت نتيجة عوامل الطرد في
حضرموت، ومرت بعضها عبر الموانىء الساحلية مثل ميناء عدن، وقلة من المهاجرين فضلوا
.< الاستقرار في عدن بصورة مؤقته أو دائمة< 2
لقد وصف بعض المؤرخين الوضع القديم في وادي حضرموت بأنه "لا يتمتع بأي ميزة
تجعله صالحا للسكن، بل لقد كان له من اسمه نصيب، فهو وادي الموت، وقد ورد الاسم بهذه
الصيغة في سفر التكوين، ويصفها الجغرافيون الإغريق واللاتين بأنها تنفث السموم، شديدة
الرطوبة مرتفعة الحرارة. ولكنها كانت غنية بنباتات مدارية رطبة أهمها البخور، وكانت المصدر
الرئيسي للبخور في العالم القديم، حتى حل بها الجفاف في القرن الثالث الميلادي الأمر الذي أدى
إلى خروج القبائل العربية الجنوبية نحو الساحل الافريقي ..، كما حدثت هجرات جماعية أخرى من
عرب الجنوب نحو الخليج العربي وشمال شبه الجزيرة العربية"< 3>. ويقول مؤرخ الهجرات اليمنية
1 > محمد عبد القادر بامطرف، الهجرة اليمنية، الآفاق للطباعة والنشر، وزارة شؤون المغتربين، صنعاء، اليمن،
. ط 2001 ،1 م، ص 49
2 . > المرجع نفسه، ص 62
3 > محمد السيد غلاب ” التجارة في عصر ما قبل الإسلام”، بحث منشور في الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ
28 أبريل 1977 م، قسم التاريخ-كلية الآداب- جامعة الرياض- المملكة العربية السعودية، – الجزيرة العربية، 23
محمد عبد القادر بامطرف إن الحضارم من مختلف قبائل ومناطق حضرموت نزحت في صدر
العصر الاسلامي عن أوطانها الأصلية إلىغير رجعة، فاستبدلوا لهم في البلدان الخصبة أهلا بأهل
.< وجيرانا بجيران، فأثرت هذه الهجرة على الإقليم الحضرمي تاثيرها السلبي بنقص السكان< 1
ويرى العلامة السيد علوي بن طاهر الحداد "أن تيارات الهجرة من حضرموت إلى مختلف الجهات
اشتدت في أواخر القرن العاشر الميلادي وما بعده حتى لقد هاجرت أسر بأكملها، ولا توجد أسرة لم
يهاجر أغلبها، وقد هاجر من بعضها من المئة تسعون"< 2>. ويشير المؤرخ بامطرف أن استقرار
.< الحضارم في بلدان جنوب شرق آسيا كان قبل القرن الثالث عشر الميلادي ( 1292 م)< 3
وفي العصر الحديث، يبدو من أدبيات دراسات هجرة الحضارم أن هناك اتفاقا شبه تام بين
المفكرين والباحثين على أن الهجرة الحديثة للحضارم بدأت منذ مطلع القرن الثامن عشر الميلادي
ولم تكن منفصلة كليا عن تيارات هجرة الحضارم التي حدثت في القرون السابقة، ووصفت بأنها
من أكبر الهجرات الحضرمية التي حدثت في العصر الحديث، واتجهت إلى بعض بلدان شرق إفريقيا
ولكن معظمها أتجه إلى بعض بلدان جنوب شرق آسيا، وأن عدد المهاجرين الحضارم في هذه
البلدان فقط وصل إلى حوالي 100 ألف حضرمي، أي ما يعادل نصف عدد السكان في بلدهم
حضرموت في سنة 1935 م< 4>. ومنذ منتصف القرن العشرين الميلادي غيرت الهجرة الحضرمية
اتجاهاتها وتحولت إلى بلدان أخرى لا سيما إلى بلدان الخليج العربي. ويبدو أن عدد المهاجرين
الحضارم سواء خارج أو داخل اليمن يعادل أكثر من خمسة أضعاف عدد سكان محافظة حضرموت
في الوقت الراهن.
وتشير نتائج كثير من الدراسات المشار إليها سابقا في هوامش هذه الدراسة أن
المهاجرين الحضارم يحافظون على استمرار صلتهم بموطنهم الأصلي مهما طالت فترة هجرتهم
وبعدت المسافة، وفي الوقت نفسه يتعاملون بصورة إيجابية مع نمط وطريقة الحياة في المكان
الذي فضلوا العيش فيه. هذا السلوك ساعدهم في كثير من الحالات على التكيف والتفاعل والاندماج
الاجتماعي مع الجماعات الأخرى في المجتمع الذي يعيشون فيه. مثلا يؤكد محمد بامخرمة أن
الحضارم كانوا دون بقية الجاليات الأجنبية في المهاجر مندمجين في الأهالي الأصليين بالزواج
وهي علاقة تخلق أقوى أواصر القربى والأخوة الاسلامية بين المسلمين في المهاجر على خلاف
طبقاتهم وأجناسهم، وكانت بينهم وبين الأهالي الأصليين صلات مودة وولاء وتبادل منافع أدبية
.< ومادية< 5
وبالنسبة للهجرة العائدة، فإنها ترتبط بصلة قوية بالهجرة الحديثة التي تتسم كما بينا سابقا
بأنها مؤقتة، أي أنها ليست دائما ذات اتجاه واحد لأن الفرد يهاجر مع وجود النية القوية للعودة
النهائية، ويظل خلال فترة وجوده خارج حضرموت على صلة بطريقة أو أخرى بالأهل والأقارب في
الموطن الأصلي حضرموت. وعلى الرغم من أن الهجرة الحضرمية العائدة بدأت بعد سنوات عديدة
من بداية الهجرة الخارجية الحديثة فالهجرات الحضرمية العائدة الكبيرة لم تنشط إلا منذ منتصف
القرن العشرين الميلادي وبدأت أولا من المهاجر التقليدية في شرق افريقيا وجنوب شرق آسيا،
الكتاب الأول: مصادر تاريخ الجزيرة العربية، الجزء الأول. وقف على تصحيحه وطبعه د. عبد القادر محمود عبد الله
. وآخرون. اشراف أ.د. عبد الرحمن الطيب الأنصاري، مطبوعات جامعة الرياض، 1979 م،ص 194
1 . > محمد عبد القادر بامطرف، مرجع سابف، ص 26
2 > العلامة السيد علوي بن طاهر الحداد ” المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى”، ترتيب وتحقيق وتعليق
. السيد محمد ضياء شهاب، (ط 1)، عالم المعرفة، جدة، 1985 م، ص 128
3 . > محمد عبد القادر بامطرف، مرجع سابق، ص 65
4 . > أنظر مثلا: محمد عبد القادر بامطرف، مرجع سابق، ص 94 . أحمد القصير، مرجع سابق، ص 31
Syed Farid Alatas, Hadhramaut and the Hadhrami Diaspora, In Ulrike Freitag and W. G.
Clarence-Smith (eds), Hadhrami Traders, Scholars, and Statesmen in the Indian Ocean, 1750s-
1960s. Leiden; Brill, 1997, P25. Suleiman Faraj Yaslam, Remittances and Returning Migrants: A
Case Study of their Role in Industry in PDR Yemen (Unpublished PHD in Sociology), University
of Exeter, UK,1988, P287-289.
5 . > محمد عبد القادر بامطرف، مرجع سابق، ص 118
وبعد ذلك من البلدان العربية المجاورة مثل السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة وبقية
.< بلدان مجلس التعاون الخليجي< 1
وتعد مدينة عدن من أقدم المراكز الحضرية في الوطن العربي عامة وفي الجزيرة والخليج
العربي خاصة، ومثلت منطقة جذب رئيسية لمختلف أنماط الهجرات، ومع مرور الزمن وتغير
الظروف السياسية والاقتصادية تغيرت أيضا ظاهرة الهجرة إلى مدينة عدن حيث تراجعت الهجرات
الوافدة، وبدأت تنشط الهجرة العائدة من الخارج والهجرة الداخلية من الريف إلى المدينة والتي
أصبحت النمط السائد حتى الوقت الراهن كما بينا سابقا.
وتعد الهجرات الحضرمية بمختلف أنماطها الخارجية والعائدة والداخلية من أقدم الهجرات
في الوطن العربي عامة وفي الجزيرة والخليج العربي خاصة وأكثرها انتشارا وإتساعا من حيث
المكان وأكبرها حجما مقارنة بحجم السكان في الموطن الأصلي. وهذه السمات العامة لظاهرة
الهجرة الحضرمية تتجسد بصورة جلية في هجرة الحضارم إلى مدينة عدن التي مثلت منطقة جذب
رئسية للهجرة الحضرمية العائدة من مختلف بلدان المهجر التقليدية والحديثة والهجرة الداخلية
للإقامة فيها بصورة دائمة أو مؤقته، إما مباشرة من بلدان المهجر أو من موطنهم الأصلي في
حضرموت، أو بعد الإقامة في محافظات أخرى، فضلا عن الأجيال المتعاقبة من الحضارم من مواليد
مدينة عدن الذين أصبحوا يشكلون نسبة عالية ومتزايدة من إجمالي الحضارم الذين يعيشون في
مدينة عدن.
وعلى الرغم من صعوبة تحديد بداية هجرة الحضارم إلى مدينة عدن، فإن تراث دراسات
هجرة الحضارم التي استعرضناها سابقا تشير إلى أنها تعود إلى بداية نشأة مدينة عدن، وكانت تلك
الهجرات القديمة محدودة العدد وحدثت على فترات زمنية متباعدة نتيجة لتخلف وسائل السفر
والانتقال بالسفن بحرا والحيوانات برا، فضلا عن مخاطر السفر وطول فترة الرحلة التي تستغرق
عدة أيام. وقد ورد لأول مرة ذكر الحضارم في وصف ابن المجاور لسكان المدينة في القرن السابع
الهجري (الثالث عشر الميلادي) كما بينا ذلك سابقا. ومن رواد الحضارم مواليد عدن الامام الطيب
937 ه)< 2>، وهناك – ابن العلامة عبدالله بن أحمد بامخرمة الذي ولد وتوفي ببندر عدن ( 870
آخرون من قبله مثل العيدروس الملقب بالعدني. وهذا مثال للدلالة على قدم هجرة الحضارم إلى
عدن وعلى كثرة الأجيال المتعاقبة التي أصبحت، مثل غيرها من الجماعات الأخرى، جزءاً مترابطاً
لا يمكن فصله من البناء الاجتماعي لسكان مدينة عدن خاصة ومحافظة عدن عامة.
ومنذ العقد الخامس من القرن العشرين تزايدت تيارات هجرة الحضارم الداخلية والعائدة
إلى مدينة عدن< 3>. كما تشير نتائج تعدادات السكان أن الحضارم ينتشرون وبنسب متفاوته في
جميع محافظات الجمهورية وأن النسبة الغالبة منهم يعيشون في مدينة عدن. على سبيل المثال
يظهر من المقارنة بين نتائج تعدادي 1988 م و 1994 م أن نسبة الحضارم الذين يعيشون في مدينة
عدن من إجمالي حجم الهجرة الداخلية للحضارم في الجمهورية بلغت حوالي ( 71.2 %) سنة
1988 م ثم انخفضت إلى نحو ( 47.7 %) سنة 1994 م. هذا الانخفاض النسبي المشاهد للهجرة
الداخلية إلى عدن يمكن تفسيره بأنه نتيجة لإنتقال نسبة هامة من موظفي الدولة مع عائلاتهم إلى
أمانة العاصمة بعد تحقيق الوحدة اليمنية من ناحية، وعودة نسبة أخرى إلى موطنهم الأصلي من
ناحية أخرى. وهذا دلالة على أن الهجرة ظاهرة متغيرة وأنها يمكن أن تكون مؤقته لبعض الناس
ودائمة للبعض الآخر. بالرغم من الانخفاض النسبي المشاهد، فإن الحضارم في عدن ما زالوا
يشكلون الغالبية مقارنة بالحضارم المقيمين بصورة دائمة أو مؤقته في المحافظات الأخرى.
وتشترك هجرة الحضارم مع هجرات أبناء المناطق الأخرى في اليمن إلى مدينة عدن في
كثير من السمات وخاصة في الصلة القوية والمتداخلة بين مختلف أنماط الهجرات السكانية الداخلية
والعائدة من الخارج إلى المدن وما يرتبط بها من أبعاد اجتماعية وثقافية مختلفة وخاصة روابط
1 Suleiman F. Yaslam,1988, op.cit, P213-214. .127- > أنظر :المرجع نفسه ص 116
2 . > أبي محمد عبد الله الطيب بن عبد الله بن أحمد أبي مخرمة، مرجع سابق، ص 12
Suleiman F. Yaslam, op. cit. P214-216 . 3> أنظر: محمد عبد القادر بامطرف، مرجع سابق، ص 127
الصلة بالموطن الأصلي والعلاقات الاجتماعية وأنماط التفاعل الاجتماعي في البيئة الحضرية لمدينة
عدن.
وقد بينت نتائج كثير من الدراسات الاجتماعية التطبيقية التي أجريت مؤخرا على سكان
عدن، فضلا عن نتائج الدراسة الراهنة كما سنبين لاحقا، وجود علاقة بين أنماط الهجرة المختلفة
والبناء العائلي حيث لوحظ أن نسبة عالية من الأسر المبحوثة في هذه الدراسات تشترك في خاصية
ارتفاع نسبة الأسر النووية مع كبر حجمها النسبي واختلاف مكان محل الميلاد ومحل الإقامة
السابقة بين أعضاء كل أسرة، فبينهم من هو مواليد عدن، مواليد الموطن الأصلي (هجرة داخلية
مباشرة أو عائدة)، مواليد محافظة أخرى (هجرة داخلية من محافظة أخرى)، مواليد المهجر (هجرة
خارجية عائدة)، وأفراد من أعضاء الأسرة أو من الأهل والأقارب ما زالوا يعيشون في المهجر
(هجرة خارجية)< 1>. كما يتضح من هذه الدراسات أن هذا النمط من البناء العائلي قد حافظ على
قيم وعادات وتقاليد العائلة الممتدة التي منها تماسك العلاقات العائلية، وكذلك توسيع شبكة روابط
الصلة والعلاقات الاجتماعية مع الجماعات القرابية الأخرى داخل المدينة وفي الموطن الأصلي وفي
بلدان ومناطق المهجر السابقة. هذه السمات الاجتماعية للبناء العائلي في المدينة شكلت أساس
العلاقات الاجتماعية وأنماط التفاعل الاجتماعي القائمة على التبادل والتعاون والتنافس أكثر من
كونها علاقات صراع بين الأفراد والجماعات المختلفة في الحياة الحضرية السائدة في مدينة عدن.
ثانيا- موضوع الدراسة وتحديد المشكلة والمنهجية
1-2 ) موضوع الدراسة وأهميته:
تكتسب هذه الدراسة أهميتها من طبيعة الموضوع الذي تتناوله، وهو من مجالات اهتمام علم
الاجتماع الحضري، والسعي إلى تحقيق أهدافها من خلال التحقق من فروض الدراسة. وبالإضافة
إلى ذلك، لم يحظ موضوع هذه الدراسة وأهدافها إلا بإهتمام محدود للغاية في اليمن، ولم يعثر
الباحث على دراسات سابقة عن هجرة الحضارم إلى المدن اليمنية الرئيسية عامة ومدينة عدن
خاصة. ومن المتوقع أن تسهم نتائج هذه الدراسة في زيادة فهمنا وادراكنا للجذور التاريخية
للظاهرة قيد الدراسة، ولأنماطها المختلفة وأبعادها الاجتماعية والثقافية، وخاصة العلاقة بين نمط
البناء العائلي وروابط الصلة بالموطن الأصلي وطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة في المراكز
الحضرية الكبرى. ولذلك تعد هذه الدراسة أول دراسة تتناول مثل هذا الموضوع، ويأمل الباحث أن
تكون نقطة انطلاق لمزيدٍ من الدراسات النظرية والميدانية سواء لمجتمع الدراسة المبحوث في هذه
الدراسة أو على نطاق أكثر اتساعا ليشمل ليس فقط الجماعات المختلفة التي تعيش في مدينة عدن
بل أيضا في غيرها من المراكز الحضرية الكبرى في اليمن.
2-2 ) مشكلة الدراسة:
تحاول هذه الدراسة البحث في ظاهرة هجرة الحضارم إلى عدن سواء من حضرموت مباشرة
أو عبر محافظات أخرى ( هجرة داخلية ) أو عبر بلدان المهجر ( الهجرة العائدة ) والتعرف على
الأبعاد الاجتماعية لهذه الظاهرة وتحديدا طبيعة التغيرات التي طرأت على البناء العائلي، وروابط
صلة الحضارم في عدن بموطنهم الأصلي، وعلاقاتهم الاجتماعية ببعضهم البعض، وبالجماعات
الأخرى التي تعيش في مدينة عدن.
1 > أنظر: فضل عبد الله الربيعي، الهجرة العائدة والاندماج الاجتماعي: دراسة سوسيولوجية للاندماج الاجتماعي
للنهاجرين العائدين إلى محافظة عدن، رسالة ماجستير (غير منشورة)، قسم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة عدن،
2000 م. محمد عوض عبد الرب الطيار، الهجرة الريفية إلى مدينة عدن: الدوافع والآثار، رسالة ماجستير (غير
منشورة)، قسم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة عدن، 2001 م. ،. تماني علي سيف، العوامل المؤثرة على سلطة اتخاذ
القرار في الأسرة اليمنية: دراسة ميدانية للأسرة في مدينة عدن، رسالة ماجستير (غير منشورة)، قسم الاجتماع،
كلية الآداب، جامعة عدن، 2002 م.

11
3-2 ) أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى:-
-1 التعرف على اتجاهات وأنماط الهجرة إلى عدن وخاصة هجرة الحضارم إلى عدن سواء من
حضرموت مباشرة أو عبر محافظات أخرى (هجرة داخلية) أو عبر بلدان المهجر (الهجرة
الحضرمية العائدة ).
-2 تحليل التغيرات التي طرأت على البناء العائلي في المدينة.
-3 التعرف على مدى ارتباط وصلة الحضارم بموطنهم الأصلي.
-4 الكشف عن شبكة العلاقات الاجتماعية بين الحضارم بعضهم ببعض أوتلك التي تربطهم
بالجماعات الأخرى في مدينة عدن، وبالأهل والأقارب في المهجر.
4-2 ) فروض الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق أهدافها من خلال التحقق من صحة الفروض التالية:-
-1 لا توجد فروق معنوية ذات دلالة احصائية بين أنماط هجرة المبحوثين والبناء العائلي.
-2 لا توجد فروق معنوية ذات دلالة احصائية بين المبحوثين في اتجاهاتهم نحو صلتهم
بموطنهم الأصلي.
-3 لا توجد فروق معنوية ذات دلالة احصائية بين المبحوثين في اتجاهتهم نحو علاقاتهم
الاجتماعية ببعضهم البعض.
-4 لا توجد فروق معنوية ذات دلالة احصائية بين المبحوثين في اتجاهاتهم نحو علاقاتهم
الاجتماعية بالجماعات الأخرى في مدينة عدن.
5-2 ) مجالات الدراسة:
تحددت مجالات الدراسة الميدانية من الناحية الجغرافية والبشرية والزمنية على النحو
الآتي:-
– المجال الجغرافي: معظم مناطق مدينة عدن.
– المجال البشري: الحضارم في مدينة عدن.
– المجال الزمني: فترة إجراء الدراسة الميدانية خلال الفترة ديسمبر 2000 م- يناير
2001 م، وواصل الباحث متابعاته بإجراء لقاءات معمقة مع بعض الحضارم من ذوي
الخبرة والمعرفة بموضوع ومجالات أهتمام الدراسة الراهنة حتى نهاية عام 2003 م.
6-2 ) المنهج ومصادر وأداة جمع البيانات والمعلومات:
-1 المنهج: استخدم الباحث في هذه الدراسة أكثر من منهج تمثلت في المنهج التاريخي
والمقارن والوصفي لأهميتها في توسيع وإثراء معرفة وفكر الباحث بإتجاهات تطور أنماط
هجرة الحضارم، وعلاقة الحراك المكاني بالتغيرات التي طرأت على البناء العائلي، ومدى
ارتباط وصلة المهاجر بالموطن الأصلي، وطبيعة العلاقات الاجتماعية وأنماط التفاعل
الاجتماعي السائدة بين مختلف الجماعات التي تعيش في المجتمع الحضري.
-2 المصادر وأداة جمع البيانات: أستندت هذه الدراسة على مصادر ومراجع مختلفة
منشورة وغير منشورة حيث استفاد الباحث من نتائج الدراسات السابقة المتصلة بموضوع
هذه الدراسة والمنشورة في الكتب والدوريات العلمية والتقارير الرسمية وفي بعض
الرسائل العلمية الغير منشورة. إضافة إلى ذلك، استفادت هذه الدراسة من نتائج الدراسة
الميدانية التي أجراها الباحث بتطبيق استبانة على عينة من الحضارم المقيمين في عدن
للحصول على بيانات ومعلومات عن متغيرات الدراسة.
-3 الاستبيان: قام الباحث بإعداد استبيان خاص ومستحدث يتوافق مع طبيعة موضوع
الظاهرة قيد الدراسة ويساعد الباحث في الحصول على البيانات والمعلومات المطلوبة عن
متغيرات الدراسة ذات الصلة الوثيقة بأهداف وفروض الدراسة. ويتكون الاستبيان من
35 ) سؤال توزعت على ثلاثة مجالات رئيسية وهي: المجال الأول: يتعلق بالبيانات )
والمعلومات العامة عن أفراد عينة الدراسة وأسرهم، وتضم متغيرات (العمر، محل الميلاد،
المستوى التعليمي، الحالة الزواجية والموطن الأصلي للزوجة، المحافظة أو البلد الذي
عاش فيه المبحوث معظم سنوات العمر، منطقة السكن الحالية وسبب اختيارها، ملكية
المسكن الحالي، عدد السنوات في المسكن الحالي، حجم الأسرة، صلة قرابة أفراد الأسرة
بالمبحوث، محل ميلاد أفراد الأسرة). المجال الثاني: يهتم بالبيانات الخاصة باتجاهات
تطور أنماط هجرة أفراد عينة الدراسة إلى عدن، وتضم متغيرات ( سنة الوصول لأول مرة
إلى عدن بغرض الاقامة فيها، عدد السنوات في عدن، محافظة أوبلد المغادرة لأول مرة
إلى عدن، وسيلة الوصول إلى عدن). المجال الثالث والأخير: يتضمن أسئلة للكشف عن
مدى صلة المهاجرين بموطنهم الأصلي وعلاقاتهم الاجتماعية، وتضم متغيرات (المحافظة
أوالبلد حيث يعيش أهل وأقارب المبحوث، عدد مرات زيارة المجتمع الأصلي خلال السنة،
فضلا عن 14 فقرة لقياس درجة قوة العلاقات الاجتماعية لأفراد عينة الدراسة، ووضعت
على مقياس خماسي على النحو التالي: “قوية جدا”، “قوية إلى حد ما”، “متوسطة”،
“ضعيفة”، “منعدمة”).
-4 صدق وثبات أداة جمع البيانات: تم التحقق من صدق المحتوى للاستبيان بعرضه على
عشرة محكمين من ذوي الخبرة والاختصاص الذين ينتمون إلى مجتمع هذه الدراسة، وفي
ضوء ملاحظاتهم تم تعديل واضافة والغاء وإعادة ترتيب تسلسل بعض الأسئلة. كما تم
اجراء اختبار الثبات بإستخدام طريقة التجزئة النصفية وتبين أن معامل الثبات النصفي بلغ
0.64 قبل التصحيح طبقا لمعادلة بيرسون، وبلغ 0.79 بعد تصحيح أثر التجزئة النصفية
بإستخدام معادلة سبيرمان_براون. وهذه النتيجة تؤكد إلى حد كبير على صدق وثبات أداة
جمع البيانات وصلاحيتها للتطبيق لأغراض الدراسة الراهنة.
-5 المعالجات الاحصائية: استخدم الباحث برنامج الحزمة الاحصائية للعلوم الاجتماعية
في التعريف بمتغيرات الاستبانة والقيام بعمليات الإدخال لبيانات الاستبانة، (SPSS.v9)
واستخراج جداول التوزيعات التكرارية لجميع متغيرات الدراسة الميدانية، وكذلك استخراج
المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية، ولإجراء الاختبارات الاحصائية الملائمة
وتحليل النتائج واستخدامها للتحقق من صحة فروض الدراسة المحددة أعلاه.
7-2 ) مجتمع وعينة الدراسة:
تتكون عينة الدراسة من 60 مبحوث من أبناء حضرموت المقيمين في مدينة عدن، وهي
عينة غير عشوائية وذلك لصعوبة إجراء المعاينة في مثل هذه الحالات لعدم توفر اطار شامل
لمجتمع الدراسة الذي يتمثل في قائمة شاملة بجميع أسر الحضارم في منطقة الدراسة الميدانية
وهي مدينة عدن. وعلى هذا الأساس فإن نتائج الدراسة الميدانية لا تكشف إلا عن خصائص
أفراد عينة الدراسة واتجاهاتهم وتصوراتهم فيما يتعلق بمتغيرات هذه الدراسة. وعلى الرغم
من هذا القصور في طريقة اختيار عينة الدراسة، فإن الحجم الكبير نسبيا للعينة من الناحية
الاحصائية والعمل على اختيار أفراد عينة الدراسة من مختلف مناطق مدينة عدن ومن البالغين
في مختلف فئات الأعمار جعل المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لمتغيرات الدراسة
تقع في حدود الثقة المقبولة الأمر الذي يساعد – مع بعض التحفظ – على استخدام نتائج هذه
الدراسة للكشف عن الاتجاهات العامة للظاهرة قيد الدراسة في اطار مجتمع الدراسة ككل في
مدينة عدن. وبالإضافة إلى ذلك، قام الباحث بإجراء مقابلات معمقة مع بعض الحضارم من
ذوي المعرفة بتاريخ هجرة الحضارم إلى مدينة عدن وأبعادها الاجتماعية المتصلة بموضوع
الدراسة الراهنة، فضلا عن مشاهدات الباحث وخبرته الع
لمية والتطبيقية في هذا المجال.

Post a Comment

0 Comments