عالم بلا حدود:الحضارم من ملبار إلى الأرخبيل الهندي Hadhramis from Malabar to the Indian Archipelago

http://www.26sep.net/newsweekarticle.php?lng=arabic&sid=52784
فاروق لقمان
يقترن اسم حضرموت وتاريخ الحضارم بالتاريخ الإندونيسي أو كما كان يسمى قديماً الأرخبيل الهندي أحد أخصب مناطق قارة آسيا وأكثرها جذباً للمهاجرين من الدول المهاجرة كما كانت الهند أيضاً بالنسبة للحضارم سيما في المنطقة المسماة ملبار وهي التي تشكل حالياً جزءاً هاماً من ولاية كيرالا في أقصى جنوب الهند التي تزود دول الخليج العربية بعدة ملايين من المغتربين وتتلقى منها مليارات الدولارات كل عام. ولا تزال الهجرة مستمرة كما كانت سابقاً بين الجنوب اليمني وحيدرعباد حتى أن عدة ملايين من السكان في حيدرعباد والجنوب ينتمون إلى المنطقة ومنهم من استقر إلى الأبد كما شاهدتهم في حيدرعباد التي كان يحكمها الملك المغولي المسمى النظام، وهناك أيضاً في الجنوب اليمني من ينتمي إلى حيدرعباد حيث لا يزال بعضهم يتحدث العربية كما كان يفعل آباؤهم.
أما إندونيسيا فهي أيضاً ملحمة يمنية خالدة استوطنها اليمنيون، الحضارم بالذات، شرحها المؤلف المترجم الأستاذ مسعود عمشوش من جامعة عدن الذي تكرم وأهداني نسخة من كتاب أشرت إليه في مقال سابق عام 2006م وكان قد ترجم كتاباً عن عدن في كتابات الرحالة الفرنسيين. ولما قدم كتابه الأخير عن الهجرة العربية إلى إندونيسيا اقترح عليه زميله الدكتور صالح علي باصره وزير التعليم العالي اليمني حالياً وكان قبل ذلك رئيس جامعة عدن حيث التقيته لأول مرة ثم مرة أخرى خلال زيارة أكاديمية له مع أساتذة يمنيين إلى جدة. واقترح عليه الوزير القيام بترجمة “حضرموت والمستوطنات العربية في الأرخبيل الهندي” الذي ألفه باللغة الفرنسية سنة 1886م المستشار الهولندي فان دن بيرخ وكتاب آخر عن حضرموت في كتابات السيدة فريا ستارك التي ألفت عن الجنوب اليمني وعدن بالذات خلال خدمتها في مكتب النشر البريطاني بالتواهي ونالت بواسطة ذلك شهرة عالمية.
وتضمن الكتاب الحديث دراسة لكتاب “رحلة جاوة الجميلة” الذي يقدم فيها الشاعر المؤرخ صالح بن علي الحامد وصفاً للجزيرة في الثلاثينيات من القرن الماضي كما يقول الدكتور باصره “ويحتوي الكتاب كذلك حسب ما يقول باصره رصداً دقيقاً لحياة المهاجرين الحضارم المقيمين هناك وعلى دراسة موجزة عن “فتاة قاروت” التي ألفها المهاجر أحمد عبدالله السقاف في جاوة عام 1929م التي يجمع النقاد اليوم على أنها أول رواية يمنية التي تصور بعض الجوانب عن حياة المهاجرين الحضارم في الأرخبيل الهندي”.
وفي مقدمة الكتاب، كما يقول الأستاذ عمشوش، يبرر المؤلف إقدامه على تدوين رحلته بأهمية جاوة وشهرتها وجمالها بالتأكيد على شأن جزر الهند الشرقية الهولندية ومكانتها في العالم وما آتاها الله من حسن الموقع وخصوبة التربة وجمال المنظر حتى أصبحت من أهم بقاع الدنيا وأشهرها.
ويذكر أيضاً بمكانة جاوة في نظر الحضارم لكونها أصبحت وطناً ثانياً لهم يحتوي على ألوف العرب ممن كانوا من قاطني حضرموت عدا كونها أصبحت منبع ثروة الحضرمي ومصدر موارده بحيث غدا مركز حضرموت المالي متعلقاً تعلقاً تاماً بجاوة ويتأثر به قوة وضعفاً ورقياً وانحطاطاً”.
وذلك يشبه كثيراً ما حدث بين حضرموت وملبار – التي تقدم ذكرها – حيث استوطن العديد من الأهالي فيما يسمى حالياً ولاية كيرالا – أرض التوابل – وولاية حيدر عباد مع أن هذه الأخيرة تغير اسمها بعد الاستقلال الهندي إلى ولاية كرناتكا.
عن المرأة الحضرمية أو التي وُلدت في مهجر حضرموت يقول المؤلف عن حياتها قبل مائتي عام أو أكثر:
“إن أهم فرق يميز العرب الساكنين في الأرخبيل الهندي عن مواطنيهم في حضرموت يكمن في عدم وجود أي امرأة هنا ولدت في حضرموت أو حتى مولَدة عربية تلقت تعليمها في حضرموت . ومن الحالات النادرة جداً التي تشذ عن هذه الحقيقة رصدت امرأة من مواليد الأرخبيل الهندي لكنها قضت شبابها في حضرموت وتعيش الآن في شيريبون. وفي سمرانج حكا لي بعضهم أن أحد العرب اصطحب معه من حضرموت أمَة شابة وذلك قبل عشرين عاماً. وفي (دلي) أحضرت خمس إماء من مكة. كما أحضر سلطان بونتانياك من مكة أمَة شركسية وتزوجها. ومن المعلوم أن أولئك الإماء قد أصبحن حرائر بمجرد أن وضعن قدمهن في الأراضي الهولندية التي ألغي فيها الرق. وبالنسبة للعدد الضئيل من العرب غير الحضارم المستقرين في الأرخبيل الهندي فلا أعرف منهم أحداً أخذ ابنته إلى وطنه ثم أعادها إلى هذا الجزء من العالم.
“وعادة يتزوج العرب المقيمون في الأرخبيل الهندي إما من نساء من بين السكان المحليين، أو من بنات مواطنيهم المولدات اللاتي لم يغادرن أبداً هذه البلاد وهن بالتالي يدخلن في عداد النساء المحليات في ما يتعلق باللغة والحضارة والأخلاق. وفي بعض المناطق ولا سيما في جزيرتي بالي وتيرنات، تزوج عدد من العرب من بنات الصينيين.
“وأولى النتائج المترتبة على هذه الظاهرة تكمن في أن اللغة التي تستخدم داخل بيوت العرب ليست العربية بل الملايوية أو الجاوية، أي لغة الزوجة التي يستخدمونها أيضاً في الحديث مع أولادهم. وحينما يبلغ الصبيان سن الرشد يتعلمون بعض مبادئ اللغة العربية. أما البنات فيكتفين ببعض الجمل الخاصة بالقرآن وأداء الصلاة. ولهذا، بعد فترة قصيرة من الإقامة في الأرخبيل الهندي، يستطيع العرب أن يتكلموا ويقرأوا اللغة الملايوية وكأنها لغتهم الأم وذلك على الرغم من احتفاظهم بنبرة خاصة بهم. ويستخدم العرب كذلك اللغات المحلية الأخرى التي يتقنونها بمستوى أقل من اتقانهم للغة الملايوية ولكن بطريقة أفضل من طريقة استخدام الأوروبيين لها. وأعتقد أن لدى العرب موهبة خاصة لتعلم هذه اللغات على الرغم من أنها تختلف تماماً عن اللغة العربية. فجميعهم هنا يتقنون اللغة الملايوية حتى وإن كانت زوجات بعضهم وأولادهم لا يتكلمون إلا الجاوية. وفي سنغافورة يبدو أن العائلات العربية الكبيرة تصر على تعليم اللغة العربية لبناتها المولدات. وهذا يعني أن اللغة العربية يمكن أن تستخدم في البيوت هناك وقد أمر سلطان بونتانياك بتعليم اللغة العربية لبنته التي أنجبتها له زوجته الشركسية. لكن هذه كلها حالات شاذة.
“والنتيجة الثانية لعدم وجود أي امرأة حضرمية في الأرخبيل الهندي تتجسد في ارتفاع عدد حالات الطلاق وتعدد الزوجات الذي يبيحه الدين الإسلامي. فعلى الرغم من أن أخلاق الحضارم تذم هذه الظاهرة فهي ربما تكون أوسع انتشاراً بينهم من انتشارها بين صفوف السكان المحليين. وقد اعترف لي بعض العرب أن سهولة الطلاق وإمكانية الزواج من أكثر من امرأة تعدان من الأمور التي تجذب بعض مواطنيهم إلى هذه البلاد. وإذا كان صحيحاً أن النص الشرعي، الذي يحد من تفشي هذه الظاهرة بتأكيده على ضرورة مقدرة الزوج على إعالة زوجاته كلهن والمساواة بينهن، لم يسمح للرجل الفقير من الزواج بأكثر من امرأة، فمن المؤكد أن هذا الرجل الفقير يلجأ إلى الطلاق ليتزوج من امرأة ثانية وثالثة إن هو شاء. ومن السهل أن نلمس النتائج المترتبة على ذلك في الحياة العائلية وتربية الأطفال. ويمكن أن نضيف أيضاً أنه من النادر أن يحتفظ العربي الذي يتزوج بأكثر من امرأة بزوجاته معاً في البيت نفسه. والشخص الذي لديه أعمال في مدن عدة يسعى إلى أن يكون لديه امرأة وبيت في كل مدينة. وفي كل الأحوال لا يمكنه أن يمتلك أكثر من أربعة مرافئ من هذا النوع.
“والنتيجة الأخيرة لغياب النساء الحضرميات في الأرخبيل الهندي تكمن في أن الحياة العائلية للأزواج العرب تشبه كثيراً الحياة العائلية للأزواج المحليين. فهم مثلهم يعيشون حياة غير باهظة التكاليف، ويأكلون الطعام نفسه، ويسكنون في النمط نفسه من المنازل. ومثلما هو الحال عند السكان المحليين الأثرياء الذين يؤثثون بيوتهم بالطريقة الأوروبية، نجد هذا الذوق السيء نفسه عند الميسورين من العرب. ومن أبرز السمات المميزة لحياة الأسرة العربية في الأرخبيل الهندي الالتزام الصارم بالواجبات الدينية، والابتعاد عن ألعاب القمار وتعاطي الأفيون. وهاتين الآفتين تشكلان جرحين عميقين في حياة السكان المحليين. وبالإضافة إلى ذلك عادة ما نشاهد في البيوت العربية النارجيلة (الشيشة) والتمر والسمن وماء الورد ولحم الغنم، وهي أشياء لن تجدها إلا نادراً في منازل السكان المحليين. وأخيراً يفضل العرب البيوت متعددة الطوابق التي لا تطل نوافذها على الشارع”

Post a Comment

0 Comments